وحش الشاشة .. 25 عاماً على الرحيل
قدم 316 فيلما سينمائيا و12 مسلسلا و12 مسرحية..وعدة أعمال إذاعية
فيلمه “كلمة شرف” عام 1973 غير القانون لصالح نزلاء السجون.. سمح لذويهم بالزيارة فى حالات استثنائية وبضوابط معينة
“من جد وجد” هكذا كان الفنان الراحل الكبير فريد شوقي حيث سعى بجدية في مجال صناعة السينما منذ دخوله مجال الفن عام 1946 حتى أصبح أحد أيقونات الفن المصري الذي يحتفي غدا بالذكرى الـ25 على رحيل “ملك الترسو”.
فريد شوقي علامة بارزة في تاريخ السينما والدراما وأصبحت العديد من أعماله من الكلاسيكيات فمنها من تغيرت بسببها بعض القوانين لصالح المجتمع ومنها من حظي بمكانة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما، كما لم يكتف بالتمثيل بل كان له دور في التأليف وكتابة السيناريو والحوار في العديد من الأعمال إلى جانب إنتاجه 30 فيلما سينمائيا، وبحسب قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (IMDb) وصل عدد الأعمال التي قدمها 340 عملا منها 316 فيلما سينمائيا و12 مسلسلا و12 مسرحية، بالإضافة إلى عدة أعمال إذاعية، فالفن بكافة ألوانه رافد من روافد الثقافة.
القوة الناعمة وخدمة المجتمع
الثقافة هي أحد موارد القوة الناعمة وهو المصطلح الذي صاغه أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جوزيف ناي في تسعينيات القرن الماضي وخلص إلى أنها “القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد” وهكذا يفعل الفن الهادف الذي يسعى إلى تثقيف المجتمعات من خلال ما يقدمه من قصص وروايات تناقش مشكلات اجتماعية ذات مغزى وتطرح قضايا لها تأثير على الرأي العام.
ورغم اعتراف فريد شوقي في أحد حواراته التليفزيونية بأنه غير راض عن بعض أعماله إلا أنه قدم أعمالا كان لها تأثير كبير على الرأي العام والمجتمع ومن هذه الأعمال فيلم “جعلوني مجرما” عام 1954 الذي أنتجه شوقي وشارك في كتابة قصته عن واقعة حقيقية لفتى يدخل إصلاحية الأحداث لظروف أسرية واجتماعية وبعد خروجه منها يقرر أن يعمل بشرف إلا أنه أوصدت كل الأبواب في وجهه لوجود سابقة جنائية في حياته فيعود للجريمة مرة أخرى للانتقام، وقد كتب على الملصق الدعائي للفيلم “الأفيش” أول فيلم يعالج الجريمة والطفولة المشردة، ونجح بعد إثارته ضجة اجتماعية في تغيير القانون لينص على الإعفاء من السابقة الأولى في الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة.
واستطاع فريد شوقي مرة أخرى من خلال فيلمه “كلمة شرف” عام 1973 الذي شارك في إنتاجه وكتابة السيناريو والحوار، في تغيير القانون لصالح نزلاء السجون بالسماح للمسجون في حالات استثنائية وبضوابط معينة بزيارة ذويهم خارج السجن الذين لا يستطيعون الحركة لتحقيق بعد إنساني يعود بالنفع على المجتمع، وذلك بعد أن طرح الفيلم القضية من خلال محام يزج به إلى السجن في جريمة لم يرتكبها ليحمي شقيق زوجته، ويحاول الهرب من أجل زيارة زوجته المريضة التي لا تقوى على الحركة من أجل إبلاغها الحقيقة حتى يأتي مأمور السجن ويتفهم الأمر ويسمح له بالخروج لزيارتها ويعده فريد شوقي – الذي يقوم بدور المحامي بالفيلم – بكلمة شرف بالعودة مرة أخرى إلى محبسه بعد الاطمئنان عليها ويوفي في نهاية الفيلم بوعده.
وهكذا استطاعت أعمال فريد شوقي في تحقيق أهدافها لصالح المجتمع عن طريق تسليط الضوء على القضايا التي لها بعد اجتماعي ومعالجتها بشكل جذاب، كما تميزت أعماله بالبساطة وقربها من العمال والحرفيين والبسطاء.
قضايا العمال والحرفيين
وكان لنشأة فريد شوقي وسط البسطاء في حي السيدة زينب والحلمية دور في اهتمامه بقضاياهم خاصة العمال والحرفيين وتناولت أعماله تلك المهن خاصة فيلم “باب الحديد” عام 1958 الذي شارك في بطولته وناقش من خلال أحداثه ودوره كشيال بمحطة مصر للسكك الحديدية قضايا الشيالين والمطالبة بإنشاء نقابة خاصة بهم، ويعد هذا العمل أول فيلم عربي وإفريقي يرشح للتأهل لجائزة الأوسكار.
ويبدو أن تلك الفئة جذبت انتباه فريد شوقي إذ ألمع إليها في فيلم “صاحب الجلالة” عام 1964 حينما كان يعمل شيالا بفندق ولشبهه الكبير الذي يصل إلى حد التطابق مع سلطان إحدى الدول – وهي دولة وهمية تناولها العمل – حل محله خلال زيارته لمصر بعدما تبين أن هناك مؤامرة لاغتياله، وفي مشهد ساخر عندما كان يؤدي دور السلطان طالب بإنشاء نقابة للشيالين، ولقرب فريد شوقي من تلك الطبقة وتقديمه لأدوار البسطاء في عدة أفلام استحق أن يحصل على لقب” ملك الترسو”.
ألقاب فريد شوقي
كانت دور العرض في بادئ الأمر مقسمة درجات وأقل درجة هي “الترسو” وكانت تمتلئ بالعمال والحرفيين الذين يأتون لمشاهدة نجمهم المفضل فريد شوقي، الذي كان قريبا منهم.
كما اكتسب فريد شوقي لقب “وحش الشاشة” فضخامة جسده أهلته لتقديم أدوار الحركة “الأكشن” وأدائه لأدوار البطل القوي الذي لا يهزم منحته هذا اللقب، ومن ضمن ألقابه “أبو البنات” لإنجابه 5 بنات وهي من الألقاب المحببة إليه والتي كان يعتز بها.
فما قدمه شوقي وناقشته أعماله الفنية صنعت له تاريخا كبيرا في السينما.
أعماله بقائمة أفضل 100 فيلم
ولتاريخ شوقي الكبير في السينما، تضمنت قائمة أفضل 100 فيلم التي صدرت في عام 1997 نحو 14 عملا له، سواء كانت من بطولته أو شارك فيها وهي باب الحديد، وجعلوني مجرما، وبداية ونهاية، والفتوة، ريا وسكينة، صراع في الوادي، السقا مات، إسكندرية ليه، الكرنك، خرج ولم يعد، وإسلاماه، وغزل البنات، وأمير الانتقام، وزينب.
وكان هذا الكم الكبير من الأعمال المهمة والناجحة إرثا فنيا لبناته.
أسرته والفن
ورث بنات وأحفاد فريد شوقي حب الفن مثل أبيهم فمنهم من دخل مجال الإنتاج الفني وهم ناهد ومني ومها وحفيده الشاب الراحل فريد المرشدي، كما واصل اثنان من أحفاده مسيرته في مجال التمثيل وهما الممثلة ناهد السباعي والممثل الشاب أحمد جمال سعيد، إلا أن ابنته الفنانة رانيا فريد شوقي كان لها أكثر من عمل في مجال التمثيل وظهرت مع والدها في فيلم “آه آه من شربات” عام 1992 لتضع قدمها بعده في عالم التمثيل وتقدم العديد من الأعمال في السينما والتليفزيون والمسرح الذي صرحت في أحد حواراتها الصحفية مؤخرا بأنها تعشق الوقوف على خشبة المسرح.
دور المسرح في حياته
وللمسرح دور مهم في حياة الفنان فريد شوقي إذ كان أحد أعضاء فرقة الريحاني وقد روى في أحد حواراته التليفزيونية أنه تقابل مع الفنان يوسف وهبي ومثل أمامه مشهدا وكان يقلده فيه إلا أن وهبي نصحه بعدم تكرار الأمر وأن يكون له شخصيته المستقلة وهو كان أول درس تعمله حسب قوله.
ويقول فريد شوقي في ذات الحوار إنه خلال العمل في المسرح قديما كان له قدسية خاصة وأن موعد فتح الستار له مواعيد محددة وكان مدون على تذكرة العرض وغير مقبول دخول أي من الجمهور بعد رفع الستار إلا أثناء الاستراحة، وهو ما طبقه بعد عودته للمسرح عام 1991 بمسرحية شارع محمد علي بطولة الفنانة شيريهان، كما كان يرفض فكرة الخروج عن النص بكلمات وألفاظ غير لائقة لأنها تسيء إلى الفن.
وكما اهتم شوقي بالسينما والمسرح وطرح من خلالهما قضايا متنوعة قدم أيضا عدة مسلسلات تليفزيونية ناقشت قضايا تهم الأسر المصرية عن طريق الدراما.
فريد شوقي والدراما
قدم شوقي على مدار تاريخه الفني مسلسلات منها العاصفة وقلب الأسد وتاه الطريق وعم حمزة ونقطة ضعف والحوت والشاهد الوحيد والعرضحالجي ومن أشهرها على الإطلاق “صابر يا عم صابر” والذي ناقش من خلاله فئة السائقون وما يواجههم من مشكلات في عملهم وحياتهم، ومسلسل “البخيل وأنا” الذي أدى دور شقيقين توأم أحدهما بخيل والآخر عكسه تماما، ويشاع أن للفنان فريد شوقي شقيق توأم وهو أحمد شوقي وكان ضابطا بالداخلية إلا أن نجلته رانيا فريد شوقي نفت تلك المعلومة، موضحة أن عمها هو شقيق أبيها الأصغر.
ومن يتبحر في التاريخ الفني الطويل لفريد شوقي الذي امتد لأكثر من 50 عاما سيجد الكثير من النقاط المضيئة التي يستحق عليها التقدير والتكريم.
تكريمات وجوائز
وحصل الفنان فريد شوقي على أكثر من 90 جائزة وتكريما خلال مشواره الفني منها جائزة الدولة عام 1955 عن فيلم “جعلوني مجرما”، وجائزة الدولة التقديرية عامي 1964 و1979، وسام العلم عام 1964، وجائزة وزارة الثقافة عن فيلم كلمة شرف، ووسام الفنون من الدرجة الأولى عن فيلم بورسعيد وتسلمه من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كما حصل على السيف الذهبي من سوريا، وجائزة من ملك السعودية عن رصيف نمرة خمسة، وجائزة البرتقالة الذهبية عام 1969 من تركيا عن فيلم “عثمان الجبار” وهو من أحد الأفلام التي قدمها خلال فترة تواجده في تركيا حيث قدم للسينما التركية أكثر من 10 أفلام، ومنح شوقي العديد من الجوائز والتكريمات كأحسن ممثل وعن مجمل أعماله.
وكان فيلم الرجل الشرس آخر أعمال فريد شوقي وتم عرضه عام 1996 في أوائل شهر يوليو.
يوليو الميلاد والرحيل
يبدو أن لفريد شوقي نصيب كبير مع شهر يوليو شوقي فقد ولد في 30 يوليو عام 1920 ورحل في 27 من ذات الشهر، وبين هذين التاريخين رحلة طويلة من ميلاد ونشأة ومسيرة فنية مليئة بالأعمال والتكريمات، فقد حصل على الدبلوم من مدرسة الفنون التطبيقية، ولعشقه للتمثيل قرر الالتحاق بأولى دفعات المعهد العالي للتمثيل (الفنون المسرحية) الذي كان البوابة لتقديمه أول أعماله فيلم ملاك الرحمة لينطلق بعدها ويصنع تاريخه الفني، وقبل وفاته بنحو شهر أذاع التليفزيون نبأ رحيله بشكل خاطئ لكن تم التدارك والاعتذار وإجراء لقاء خاص معه على فراش المرض ليرحل فريد شوقي بعدها عن عمر ناهز 78 عاما تاركا أعمالا لها رسالة فنية مهمة وأثر في المجتمع.
رسالة الفن
من المؤكد أن للفن رسالة وعلى الرغم أن هناك بعض الأعمال الفنية التجارية الموجهة لفئة معينة من الجمهور بغرض الربح فقط مثل موجة أفلام المقاولات، إلا أن هناك الكثير من الأعمال الفنية ذات مضمون ومحتوى هادف ينشر الوعي والثقافة كالأعمال التاريخية والدينية والسير الذاتية والاجتماعية التي تناقش قضايا رأي عام وتؤثر في المجتمع وتصنع تغييرا فيه مثل ما قدمها فريد شوقي في بعض أعماله وأثارها مستمرة حتى الآن.